فاطمة عطفة (أبوظبي)

رواية واسيني الأعرج «الغجر يحبون أيضا...» كانت موضوع جلسة نقاشية أونلاين بين سيدات الملتقى الأدبي، بمشاركة الكاتب من الجزائر. ومسرح الرواية مدينة وهران الجزائرية في الخمسينيات من القرن الماضي، ويتناول الكاتب في نسيجها عدة خيوط، منها مصارعة الثيران، إلى جانب الصراع بين السلطة الاستعمارية والثوار، والحب والحرية لدى الغجر، التاريخ والواقع، الزواج والغيرة، الروح والجسد، الهوية والانتماء، الحياة والموت.. شبكة واسعة من العناصر التي تشكل الرواية بلغة شعرية ساحرة وخاصة حين تمتزج بأبيات مختارة من لوركا.
بدأت أسماء صديق المطوع، مؤسسة الملتقى، كلمتها مرحبة بالروائي الذي يشغل مكانة متميزة في عالم الكتابة، لافتة إلى أهمية موضوع الرواية، سواء بإلقاء الضوء على الغجر كشعب مهمش ومدى عشقهم للحرية والحب بحرية ومسؤولية، أو تصوير جمال وهران وبحرها وأهم معالمها العمرانية وما تعانيه من أحداث بين الماضي والحاضر.
قالت أسماء إن أهم ما وصلني هو صوت الروائي في الرواية، فأنت تؤكد تاريخك وثقافتك لتقدم قضايا إنسانية، وأنا أحيي فيك هذا الجانب الإنساني الذي تشير فيه من خلال الكتابة الروائية إلى المهمشين على الأرض. نجحت في شرحك عن دائرة مصارعة الثيران (الكوريدا)، وأعجبتني فكرة «الحلزون» الذي يحمل بيته على ظهره، وهو وصف فرنسي ساخر من المهاجرين إلى وهران هربا من الحروب، كما أعجبني أن الكاتب أكد في الرواية على مكانة المرأة وقدرها في المجتمع، كما أظهر جمال مدينة وهران وطبيعتها الساحلية الرائعة. وأشارت المطوع إلى أن الرواية تأكيد على الهوية والمواطنة، أما الحديث عن الغجر فجاء عبر صوت الروائي واسيني، وكأنه داخل كل بطل وسيطر على فكر كل واحد منهم، فضلاً عن استخدامه التاريخ لتقديم قضايا إنسانية.
ومن تونس قالت سميرة سمرين: وجدت في الرواية كثيراً من التمرد، الحب، الحرية، الصراع، والإصرار على البقاء والحياة مهما كان الثمن. نحن أمام ثقافة جديدة، بل مزيج من الثقافات في هذه الرواية. يعرفنا الكاتب واسيني على مدينة وهران الجزائرية، مدينة الحضارة والتعدد، التي تشهد تعايش الأديان، رغم وحشية الاستعمار الفرنسي الذي كان يعمل على هدم هذا التعايش. ويقارب حرية الغجر وحقوقهم بشكل جديد من خلال مصارعة الثيران في «الكوريدا»، وهو عالم متنوع يقدس الحرية، ولقد أعطاهم حقهم في الرواية.
ولفتتت هنادي الصلح إلى أن الرواية تضيء على الظلم الذي لحق بالغجر، وتساءلت: لماذا لا يوجد للغجر من يحتويهم؟ لماذا لا تعطيهم كل دولة حريتهم؟ ولماذا لا تمنحهم الدول حق المواطنة؟
وجاءت مشاركة الكاتب وتوضيحه للعديد من التساؤلات لتزيد جمال الجلسة، كاشفا أن مئات الألوف من الغجر كانوا أولى ضحايا النازية، لافتا إلى العديد من كوارث الحروب والأوبئة والمجاعات التي لا يمكن أن نقارن بها مظهر العنف في مصارعة الثيران.
ودعانا واسيني أن نتأمل الثنائية ما بين الثور والمصارع، وتأمل اللحظة التي يواجه فيها الماتادور الثور وكأنه في حالة عرس، ويدخل وهو عارف باللعبة الخطرة. وأوضح الروائي أن رقص الغجر والغناء الدرامي عندهم يشبه هذه المصارعة العالمية، واصفاً هذه الرياضة بأنها حالة ثقافية كالأغاني التي ترفع من حدة الفن التراجيدي، لأن الغناء الغجري هو غناء جماعي وليس فردياً، وتنشده النساء على وجه التحديد، وعندما نأخذ المستوى الداخلي للنصوص نجد فيها توصيفاً للدراما الحياتية التي يعيشها البشر. ورداً على سؤال لماذا قتل البطل في نهاية المصارعة، قال: الحالة التراجيدية للرواية هي التي قادتني إلى هذه النهاية، هكذا كان إحساسي للنهاية.